شهدت محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب سوريا، كما كتبت ديانا رايس، خلال يوليو أعمال عنف دامية تحولت إلى اختبار صعب للانتقال السياسي الهش في البلاد، ولقدرة المجتمع الدولي على التعامل مع أزمة إنسانية متفاقمة. بدأت الاشتباكات بين مقاتلين دروز وآخرين بدو لتتصاعد سريعًا إلى أزمة سياسية وإنسانية، وتدخلت القوات الحكومية لمحاولة احتواء الأزمة قبل أن تنسحب إثر ضربات إسرائيلية متعددة في دمشق، بينها هجوم على وزارة الدفاع في 16 يوليو، أعلنت إسرائيل أنه جاء دفاعًا عن السكان الدروز.

أشار أتلانتيك كاونسل إلى أن القتال الذي استمر أكثر من أسبوع أوقع أكثر من 1,500 قتيل من المدنيين والمقاتلين، وأفاد سكان بأن عناصر منفلتة من القوات الحكومية شاركت في هجمات على مقاتلين ومدنيين دروز. ورغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يوليو، استمرت عمليات النزوح وسط انعدام الأمن وتدمير الخدمات الأساسية، بينما أوقعت اشتباكات جديدة أوائل أغسطس قتيلًا إضافيًا وأثرت على الهدنة.

شهد المجتمع السوري والمجتمع الدولي صورًا لجثث متحللة في مشرحة مكشوفة، وممرات مستشفيات مكتظة بالجرحى، وعائلات تفر من ديارها طلبًا للأمان، في وقت يراقب الجميع أداء الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع.

 

أزمة إنسانية مزدوجة

عانى المدنيون من كلا المجتمعين الدرزي والبدوي، إذ وجدوا أنفسهم في قلب العنف المتصاعد، ما أدى إلى أزمة إنسانية مزدوجة ومعقدة. وأضافت الضربات الإسرائيلية بعدًا جديدًا للصراع، مؤكدًا كيف يمكن أن يتقاطع الاضطراب المحلي مع الديناميات الإقليمية الكبرى.

قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 191 ألف شخص، أي ثلث سكان السويداء، نزحوا حتى الخامس من أغسطس، ونصفهم بقي ضمن حدود المحافظة، خصوصًا في منطقتي صلخد والسويداء، بينما نقلت الحكومة السورية مئات العائلات البدوية المحاصرة إلى درعا وريف دمشق.

قبل الاشتباكات الأخيرة، اعتمد ثلثا سكان السويداء على المساعدات الإنسانية نتيجة سنوات طويلة من الصراع، وعانى المدنيون من انقطاعات مستمرة في الكهرباء والمياه، وحرق ونهب منازلهم، ونقص في الأدوية والوقود والغذاء، بينما تجاوزت الخدمات الصحية قدراتها، وسجلت منظمة الصحة العالمية خمس هجمات على العاملين بالبنية الصحية خلال يوليو، بما في ذلك قتل طبيبين وعرقلة سيارات الإسعاف واحتلال مؤقت للمستشفيات من قبل جماعات مسلحة.

 

سياسة المساعدات الإنسانية

كشفت الأيام التالية للاشتباكات عن مشهد إنساني مجزأ ومسيّس، ما أثر على تنسيق وتوصيل المساعدات في السويداء. حُددت القيود على دخول المدينة في شكل اتهامات بحصار حكومي، نفى المحافظ مصطفى البكور هذه الادعاءات مؤكدًا مرور المساعدات إلى المدينة.

نجحت بعض الوكالات الإنسانية، مثل الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر الدولي، في إيصال المساعدات إلى أجزاء من المحافظة والمناطق النازحة، لكن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أشار إلى أن العنف المتقطع ووجود الحواجز عطّل وصول القوافل أحيانًا.

كشف حديث العاملين في المجال الإنساني عن أن هذه الحواجز نتجت عن شبكة فوضوية من تصاريح الدخول من قوى محلية وجماعات مسلحة، وأشار أحدهم إلى أن السماح بالدخول يعتمد على من يدير النقطة التفتيشية.

أدى هذا الانقسام إلى تأخير إيصال المساعدات الأساسية مثل الخبز والوقود، وزاد تعقيد الأزمة الإنسانية، مؤكدًا وجود أزمة ثقة وشرعية في الانتقال السياسي السوري ومؤسساته، حيث أصبح توصيل المساعدات نقطة خلاف سياسية أساسية.

 

أولويات للدبلوماسية الأمريكية

على الولايات المتحدة وشركائها التحرك بسرعة لمنع المزيد من القتل ودعم التقدم نحو السلام والمساءلة، دون الانحياز إلى أي طرف طائفي، مع التركيز على منع الكارثة الإنسانية من التفاقم إلى أزمة إقليمية.

يجب تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، خصوصًا في المناطق التي يسيطر فيها قادة دروز على المساعدات، مع العمل على إعادة بناء الثقة مع القادة المحليين عبر تواصل شفاف ومستدام يقوده المجتمع، والتأكيد على حيادية المساعدات.

يتعين أيضًا ممارسة الضغط الدبلوماسي لإقناع السلطات المؤقتة في دمشق بالتحكم بعناصر الأمن المنفلتة، بما في ذلك أولئك المتورطون في جرائم حرب، وتشجيع المحادثات الإقليمية لتثبيت الاستقرار مع تركيا والأردن ودول الخليج.

يجب متابعة التحقيقات الشفافة في انتهاكات السويداء، بما فيها الهجمات على المنشآت الصحية ونزوح المدنيين، مع دعم عمل المجتمع المدني السوري في توثيق الانتهاكات والمطالبة بالعدالة، لتجنب تعميق انعدام الثقة في مؤسسات الدولة.

لا تمثل مأساة السويداء حالة معزولة، بل اختبار للانتقال السياسي الهش في سوريا ولقدرة المجتمع الدولي على الاستجابة للأزمة الإنسانية المتصاعدة، وهو مؤشر على أهمية الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والأمن طويل الأمد للولايات المتحدة وشركائها.

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/sweidas-humanitarian-crisis-tests-new-government/